الـPager أو الـBeeper... من هاتف إلى قنبلة في «حزب الله»
شربل البيسري
Wednesday, 18-Sep-2024 06:37

مع التطوّر الرقمي لأجهزة الاتصال، خصوصاً الهواتف المحمولة وسهولة اختراقها من قِبل أجهزة الاستخبارات الحكومية وغير الحكومية التي تراقب شبكة الإنترنت، ظلّت بعض التقنيات التكنولوجية القديمة منذ ما قبل الثمانينات قَيد الاستعمال لصعوبة اختراقها أو خروج ما تبقّى منها عن شبكات الاتصال، فانحصر استعمالها بالنشاطات الطارئة والعسكرية والأمنية.

من بين الأجهزة القديمة وبات استعمالها اليوم لأغراض عسكرية أغلب الأحيان، أجهزة الاتصال المعروفة بـPager أو Beeper. وتُستخدَم هذه الأجهزة من قِبل بعض الجماعات المسلّحة، أبرزها «حزب الله»، لما تُوفِّره من ميزات خاصة تتعلّق بالسرّية والأمان. فما هي وكيف اخترقتها إسرائيل وجعلتها وسيلةً للقيام بعمليات تفجير؟

ما هو جهاز الـPager أو الـBeeper؟

جهاز الـBeeper، أو كما يُعرَف أحياناً باسم Beeper، هو جهاز اتصال قديم يعود إلى خمسينات القرن الماضي، ويُستخدَم لاستقبال رسائل قصيرة. يُعرف الجهاز بتصميم بسيط وقدرة على استقبال إشارات محدّدة، ويُصدِر صوت تنبيه أو «صَفير» عند استلام الرسالة. وكانت هذه الأجهزة في الأصل تُستخدَم من قِبل الأطباء والموظّفين في القطاعات الحيَوية، لأنّها تُرسِل تنبيهات سريعة تتطلّب اتخاذ إجراء فوري.

يتألّف الجهاز من مكوّنات بسيطة تشمُل مُستقبِل إشارات راديَوِية، معالِجاً لتفسير الإشارات، وجهاز إنذار صغيراً لإبلاغ المستخدم بوصول الرسالة. يمكن للأجهزة أن تكون إمّا مخصّصة للاستقبال فقط أو لاستقبال وإرسال الرسائل البسيطة. ومع ظهور الهواتف المحمولة الذكية، تراجع استخدام الـPager تدريجاً.

وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأجهزة لا تزال تُستعمل في المستشفيات وأقسام الطوارئ أو مع الأطباء المتخصّصين بأمراض قد تكون مفاجئة (أمراض القلب)، وحتى في مطاعم الخدمة السريعة (Delivery).

لماذا تَستخدِم الجماعات المسلّحة هذه الأجهزة؟

على الرغم من بساطة الـPager، إلّا أنّه يمتلك بعض الميزات التي جعلته مُحبَّباً لدى الجماعات المسلّحة، خصوصاً «حزب الله»، الذي استعمل هذه الأجهزة في عمليات الاتصال بين أفراده.

ومن هذه الميزات: السرّية لقلة اعتماد الـPager على البنية التحتية المتطوّرة، ممّا يعني أنّه لا يعتمد على شبكات الهواتف المحمولة التي تخضع إلى المراقبة. بالتالي، تُرسَل رسائل نصية قصيرة عبر إشارات راديوية يَصعُب تتبُّعِها مقارنةً بالهواتف المحمولة.

بالإضافة إلى ذلك، إنّها تعمل في المناطق النائية والبيئات العسكرية التي قد تفتقر إلى بنية اتصالات تحتية عادية أو متقدّمة، ومن دون رادارات شبكة الاتصالات الحكومية.

كيف يمكن أن يحدث الاختراق الإسرائيلي؟

في منتصف التسعينات وأوائل الألفية الجديدة، طوّرت إسرائيل تقنيات قادرة على اختراق الـPager، خصوصاً الذي يستخدمه «حزب الله».

بدرجة أولى، ركّزت إسرائيل على التنصّت على التردّدات الراديُوِية من خلال معدّات متطوّرة مختصة بالالتقاط هذه التردّدات. وبشكل رئيس، تعتمد هذه التقنيات على رادارات استقبال الإشعارات، لتحلِّلها برامج متخصّصة بالتقاط الرسائل.

من خلال اعتراض الرسائل التي تُرسل عبر الـPager، اخترقت إسرائيل بعض الرسائل وبدّلتها برسائل مزيّفة أو مفخّخة، أي أنّها باتت تحتوي على تعليمات مغلوطة أو معلومات يمكن أن تؤدّي إلى الوقوع في كمائن.

إلى ذلك، طوّرت إسرائيل تقنيات متقدّمة لجعل أجهزة الـPager أدوات لتفجير العبوات الناسفة من بُعد من خلال إرسال إشارة مشفّرة إلى الجهاز المستخدَم من قِبل المسلّحين، ممّا يؤدّي إلى تفجيره. في بعض الحالات، كانت الأجهزة مخترقة مسبقاً ببرمجيات ضارّة زُرِعت من خلال تدخّل إلكتروني، ممّا يسمح بالتحكّم بها عن بُعد.

كيف يتحوّل الجهاز بذاته إلى قنبلة من دون زرع المتفجّرات فيه؟

حوّلت إسرائيل الـPager إلى قنابل في وجه مقاتلي «حزب الله» من دون زرع متفجّرات داخلها، إنّما باستخدام تقنيات التلاعب الإلكتروني والاختراق من بُعد. وتعتمد هذه الأساليب على استغلال التردّدات الراديُوِية الخاصة بالـPager، فتُرسَل إشارات مفخَّخة أو يُخترَق نظام الاتصالات لتفعيل الجهاز كأداة تفجير.

يتمّ التلاعب بالإشارات الراديوية عبر إرسال إشارات مشفّرة تُفعِّل الدائرة الكهربائية في الجهاز، ممّا يؤدّي إلى زيادة الجهد الكهربائي أو إطلاق شرارة تتسبّب في انفجار البطارية أو مواد أخرى بالقرب من المستخدم. كما يمكن التلاعب بالدائرة الكهربائية للجهاز عن طريق تعديل الرسائل أو التردّدات التي يستقبلها، ما يرفع حرارة البطارية ويؤدّي إلى انفجارها.

من خلال وحدات الاستخبارات السيبرانية، مثل «الوحدة 8200»، يُستخدم اختراق الشبكات الراديوية لإرسال كلمات سِرّ (Codes) أو تعليمات مشفّرة تُغيِّر عمل الجهاز، ممّا يؤدّي إلى تفجيره عبر أعطال مثل السخونة المفرطة أو الـ»ماسّ» الكهربائي.

لماذا لم تنفجر جميع الأجهزة؟

بما أنّ الغالبية العظمى من المستشفيات الحكومية والخاصة في لبنان، مطاعم، ودوائر إسعاف وأمن لا تزال تستعمل هذه الأجهزة لكنّها لم تنفجر أمس، يبدو أنّ الهجوم كان مُركّزاً على أجهزة «حزب الله» التي تتصل ببعضها من خلال Server خاص، أي أنّه اختُرِق واكتُشِفت كلامات السرّ فيه، ممّا جعله جهاز تَحكُّم يُفجِّر جميع الأجهزة المتصلة به.

علماً أنّ مصادر وكالة «رويترز» أشارت إلى أنّ «حزب الله» كان زوّد عناصر بأحدث أنواع الـPagers في الفترة الأخيرة، إثر اضطرار عناصره وكوادره إلى الاستغناء عن الهواتف المحمولة لسهولة اختراقها ممّا يُعرّضهم إلى الاغتيال الإسرائيلي.

أمّا صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية فكشفت عن مصدر من «حزب الله»، أنّ الأجهزة التي زُوِّد بها عناصر الحزب أخيراً «ربما كانت تحتوي على فيروس ضار». علماً أنّ مختلف المصادر أشارت إلى أنّ الأجهزة ارتفعت حرارتها أولاً ثم انفجرت. وتشير مصادر تقرير سابق لـ«رويترز» أنّ «حزب الله» يستخدم شبكة اتصالات خاصة به تعود تقنياتها إلى أوائل العقد الأول من القرن الـ21.

ويعتقد خبراء سيبرانيّون أنّ مثل هذه الهجمة «تأتي تأثيراتها في لحظة ما بعد التفجير، لأنّها تطال أشخاصاً محدودين في «حزب الله» يمتلكون الـPager، وتكون أيضاً مرفقة بهجمة مراقبة مكثّفة على شبكة الاتصالات، لتحديد مواقع اتصالات طلب المساعدة والإسعاف، بالإضافة إلى تحديد عيّنات جديدة من الهواتف والأرقام المرتبطة والمقرّبة من هذه الشخصيات في الحزب».

من جهة أخرى، أحصت وزارة الصحة في لبنان أكثر من 2750 أصابة و200 منهم بحالة حرجة و8 قتلى من بينهم ابن النائب علي عمّار، بالإضافة إلى تأكيد وكالة الأنباء الإيرانية إصابة سفير بلادها في بيروت بجروح طفيفة.

وبعد بضع ساعات، دُعِيَ القادة الأمنيّون والعسكريّون في إسرائيل إلى اجتماع طارئ في وزراة الدفاع في تل أبيب لمناقشة «الخطوات التصعيدية لدى «حزب الله» والخطوات التالية» بعد ملاحظة تحرّكات مكثّفة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان، بحسب صحيفة «هآرتس» العبرية.

تزامناً، أعلن «حزب الله» في بيان عن «عملية غامضة» أسفرت عن مقتل طفلة وشخصَين آخرَين، على أن يُجري تحقيقات لكشف كيفية حدوث الهجوم وأنّ «مقاتلينا مستعدّون للدفاع عن لبنان».

الأكثر قراءة